لغويات - لسانيات, استضافة أقلام

جذور اللهجات واشتقاق المفردات (٥): لهجة القصيم.. في سبعة أيام.. بدون معلّم..!

عبدالعزيز المحمد الذكير – كاتب صحفي ومترجم معتمد

مستعذبو لهجة القصيم، أو من أرادوا تمييز القصيمي عن غيره عليهم ملاحظة القواعد الآتية، مع حفظ «الترنيم» و«التنغيم»..!

٭ الأول: حذف الألف بعد «ها» التي هي ضمير المؤنثة المفردة الغائبة ثم الوقوف على الهاء بالسكون في جميع الأحوال. فيقولون في (كتابها وثوبها أو مالها وولدها أو أبوها): كتابَه. ثوبَه، ولدَه، إبْوهْ بإسكان الهاء فيها جميعاً.

٭ الثاني: ضم ما قبل ضمير المفرد والغائب، فيقولون في كتابه وماله وعلمه مثلاً: كتابُه، مالُه، علمٌه بضم الباء واللام والميم الواقعات قبل الهاء.

٭ الثالث: حذف ياء المتكلم والوقوف على نون الوقاية التي قبلها بالسكون فيقولون في مني: مِنْ، وعني: عَنْ بإسكان النون فيهما مع التشديد كما يقولون في ضربني وأخذني: ضربَن. وأخذَن.

بهذه الطريقة الدقيقة أوضح الأستاذ محمد العبودي الوسيلة التي يتمكن بها السامع تمييز القصيمي عن غيره من سكان الجزيرة والخليج. عدا منطقة حائل حيث تشاركهم في الأول والثاني. «المعجم الجغرافي للعبودي». ولا جدال في صحة ما ذهب إليه المؤلف في معجمه الذي صدر في العام 1399 هـ .

لكن المتتبع لأحوال اللهجات في البلاد السعودية سيجد ان جيل العصر الحديث قد تبنى ضرباً من العلامات النطقية وحركات النبرات الصوتية واللفظية تجعله يجتمع مع غيره من سكان المنطقة. وشخصيا أسميها «مصطلحات ال .. إف إم. F.M. وتأتيني رسائل اليكترونية ظريفة.. بعضها يستعذب اللهجة، والبعض الآخر لا يستعذبها. وما دام الأمر هكذا فأقول: لولا اختلاف الاذواق.. لبارت السلع!

لغويات - لسانيات, استضافة أقلام

جذور اللهجات واشتقاق المفردات (٤): ‎البرميل مفردة الأخبار في عصرنا

عبدالعزيز الذكير كاتب صحفي ومترجم معتمد

الكلمة مُعاصرة أي تكاثر استعمالها في القرنين الماضيين، ولم أعثر على أثر لها في لغة العرب وشعرهم القديم. وعرفته المعاجم بأنه وعاء من خشب أو معدن، لكن تعريفات الطاقة قالت في تعريفه بأنه وحدة قياس للنِّفط تساوي حوالي 159 لترًا أو تعادل 42 جالونًا.

وأذكر أن هذا المستوعب كان يستعمل لجلب وقود السيارة، البنزين من عبدان إلى جزيرة العرب قبل اكتشاف النفط عندنا بكميات تجارية. وأكبر حجم منه كان المحليون من العامة يسمونه (برميل أبو 12). وكانت السيارات قليلة، وتوجد البراميل في المدن تخدم طالب البنزين، بأن يركبوا عليه مضخة يدوية تدفعه إلى خزان السيارة. وبعض أصحاب محلات البيع “يشفطه” بقوة الفم بواسطة ماسورة (لَيْ)، لكن في الحالة الأخيرة يجب أن يكون البرميل في محل يرتفع عن مستوى خزان السيارة.

واستعمل الأهلون هذا المستوعب القوي لحفظ الحبوب أو التمر، فقيمته ليست بالبترول فقط فهو ذو استعمالات متعددة. ولأسباب لا أعرف تفاصيلها بدقة كان الكيروسين (القاز) يأتي إلى عنيزة بمستوعبات أقل تحملا وهي التّنكْ، وتأخذه السيارات إلى شمال المملكة وتأتي بالتنك مملوءة بالسمن البري الأصلي الذي يحتاجه الناس. والكيروسين معروف طاقة إضاءة لخدمة الفوانيس. قال محمد ابن لعبون – ت1247هــ:

كنّها القنديل بالزيت مْخَدوم

سبته داياتها وقت الظلام.

وبما أن علم الاشتقاق (الإيتيمولوجيا) يستهويني كثيرا، وهو بسط أو تعليل أصل اللفظة، سواء كانت ذات منشأ عربي أو أجنبي، فآتي الآن إلى ذات المفردة التي اتخذتها عنوانا لهذه الزاوية، وهي كلمة (برميل) وسيجد القارىء تقاربا كبيرا بين نطقها الإنجليزي والعربي. وظل الشرح الإنجليزي ردحا من الزمن يُعرّف الكلمة على أنها: وعاء من الخشب يُتخذ للخمر أو الخل أو نحوهما.

وأعود إلى الكلمة (برميل) في العامية فأزعم أننا وصفناه بشيء من الامتهان أو التحقير إذا قلنا “برميل الزبالة” ولا أرى أنه “يستاهل” تلك الصفة، التي لا تُرضى عنها (أوبيك).

لغويات - لسانيات, استضافة أقلام

جذور اللهجات واشتقاق المفردات (٣): رأي الغربيين في العربية

عبدالعزيز الذكير – كاتب صحفي ومترجم معتمد

لم أقرأ نصّا في العربية أو الأنجليزية يجحد فضل اللغة العربية ، أو يقلل من أهميتها حضارة وتراثا وأدبا . 

قال أحمد شوقي : – إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ.

الفرنسي إرنست رينان: ( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة).

فاتباع مثلا أن تتبع الكلمة بكلمة على وزنها لفظا ، وتقويته معنى . أما المزاوجة في تعديل يلحق إحدى الكلمتين لتتناسب مع أختها في الحركة والوزن ، ومنه الاتباع في الكلام مثل : حسِن بَش ،  وقبيح شقيح . 

فالألماني فريتاج قال : اللغة العربية أغنى لغات العالم. وليم ورك:  قال إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر

يقال عن عامية أهل نجد (اللهجة العامية): إن الاتباع والمزاوجة فيها أقل من غيرها من اللهجات. والاتباع والمزاوجة, موضوع طريف اعتنى به مؤلفون قدامى. كذلك نوّه بهما المستشرقون أمثال بروكلمان وغيره. واجتذب الموضوع أنظار اللغوي كوركيس عواد ضمن فصل وافٍ عن الاتباع في كتابه “أشتات لغوية” وركّز على اللهجة العراقية – ربما لتفوقها في الاتباع عن غيرها من اللهجات العامية العربية. فأورد كلمات مثل: أصل وفصل. بطّال عطّال. حيص بيص. خوش بوش. شقلبان مقلبان (المراوغ ). قارش وارش. قنزه ونزه. ولد تلد. وأشياء كثيرة لا يفهمها من لم يعش في العراق.

لغويات - لسانيات, معرفة, استضافة أقلام

جذور اللهجات واشتقاق المفردات (٢): كلمة ( الكليجا )

عبدالعزيز الذكير – كاتب صحفي ومترجم معتمد

مخبوزات سعودية وجدتُ الكثير من أهلنا يستعذبها وتحتفظ بها ذاكرة أهل القصيم، كونها مأكولا شعبيا قديما كان وسيبقى من المأكولات الشعبية التي كانت وستبقى جزءًا من التراث الشعبي الذي لا يغيب عن المكون الشعبي أو الذاكرة التراثية لأبناء هذه المنطقة العزيزة.

والكليجا واحدة من أهم المأكولات الشعبية التي تجاوزت في شهرتها النطاق المحلي إلى العالمي وأصبحت مجالا للتقليد والمحاكاة بوصفها واحدة من الصناعات الغذائية الواعدة. وتسعى الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم وشركائها عبر مهرجان “الكليجا والمنتجات الشعبية” إلى دعم وتشجيع الأسر المنتجة التي أصبحت رقما مهما في العملية الإنتاجية والاستثمارية، فلم يعد إنتاج الكليجا وغيره من الموروثات الشعبية هواية يمارسها بعض الأشخاص من باب المحافظة على الموروث الثقافي وإنما أصبحت صناعة استثمارية تضيف قيمة في اقتصاديات المنطقة وحراكها التجاري.

ولسنا هنا بصدد شرح مكونات  تلك المخبوزات التراثية ، لكن لنقول شيئا عن الاسم “كليجا” فهناك اجتهادات كثيرة لكن الذي تكاد تُجمع عليه المعاجم هو أن الكلمة جاءت من بلاد فارس وقد ذكره ابن بطوطة في قوله: لدى أهل خوازم أكلة يسمونها الكليجا – ومضى في شرحها . ولاتوجد رواية موثقة لأصل تسمية الكليجا بهذا الاسم ، إلا هناك عدد من الأقوال التي تروى في هذا المقام، ومنها أن (كليجاء) مأخوذة من كلمة كليشة.. وهي كلمة تركية، ولعل المقصود بها الأداة الخشبية ذات النقوش المعروفة التي تطبع بها الكليجاء وتعطيها شكلها النهائي المزكرش، بينما يشير البعض إلى أن كلمة (كليجا) كلمة فارسية أو أردية تعني الكعك.

لغويات - لسانيات, استضافة أقلام, زكاة المعرفة

جذور اللهجات واشتقاق المفردات (١): فلان شجرة عوسج –

هذه التدوينة هي بداية لسلسلة تدوينات قادمة بعنوان: جذور اللهجات واشتقاق المفردات، وهي عبارة عن تعاوني بيني وبين الكاتب الصحفي والمترجم المعتمد عبدالعزيز الذكير

فلان شجرة عوسج

توقفوا معي عند أسماء ذكورية جاءت من العثمانيين إلى جزيرة العرب والعراق والشام ومصر، مثل عزّت ونصرت وجودت وطلعت وتطول القائمة، وكلها تيمّنا بالتسامي والعزة والرفعة. من بين تلك الأسماء  وجدتُ  أن اسم  “شوكت” اسم من الاسماء العربية. والأسم مذكّر، وأراد الأتراك التيمن بالقوة والبأس  لأنه يُرجى لحامله القوة  والشدة ويتصف ايضا بالمهابة وعلو الشأن ورفعة المكانة والعيشة الرغدة السعيدة والاصل العالى والطموح والقبول بين الناس وحب القمة والصدارة دائما فهو- في مفهومهم – عاشق للنجاح.  لكنها – أي كلمة شوكت – بنفس الوقت توحي بالوجع والألم وربما العذاب والكرب  .

ذكر كوركيس عوَّاد في كتابه (أشتات لغوية) أن ما انتهى من الأسماء بالتاء الطويلة على الصيغة التركية : الأصل في معظم هذه الأسماء أنها تسمياتٌ عربية، وتقتضي قواعد الإملاء العربي أن تكتب بالتاء المربوطة، إلاَّ أن الأتراك العثمانيين درجوا في الماضي على أن يستعيضوا عن التاء المربوطة بالتاء الطويلة، وهذا أمرٌ تأباه اللغة العربية. وحين أراد العرب إطلاق هذه التسميات على أبنائهم اقتفوا خطوات الترك في الاستعاضة عن التاء المربوطة بالتاء الطويلة، ومن الأمثلة على ذلك: إلفت / بهجت /: ثروت /: جودت / ، حِشمت، ، حِكمت / (خيرت / دولت / رأفت، رحمت، رِفعت / سيرت / شوكت / ، صفوت، صنعت / طلعت / عِزَّت، عِصمت، عِفَّت  / مَدحت. (ن): نجْدت، نَزهت، نَشْأت، نَصرت، نِعمَت.

 شخصيا لا أرى غرابة في تلك الأسماء إلا اسم ( شوكت ) ومع أنه – أي المفرد – من أهون ما يصاب به المرء إلا أنه قد يجلب السهر والحمى. وأخص عظام السمك وهو يسمي شوكة، إذا اعترضت بلعوم قإن عواقبها غير حميدة. ومن يحذرون الغير من فلان الفلاني يقولون: فلان شجرة عوسج، لا تاكله الأبل ولا يُتظلل به المارة، لكثرة شوكه. وأيضا لدينا في المملكة صفة عامية للشخص اللحوح فيقال له “شوكة طين” التي توجد ضمن خلطة الطين فمع الرطوبة إذا دخلت اصبع العامل يصعب إخراجها لقوة اندفاعها وصعوبة الحذر منها.