#تحدي_الكتابة, وجدانيات, شخصي

تدوينات رمضان (١):رمضان الأول دون أبي

رمضان كريم وكل عام وأنتم إلى الله أقرب

لم أخطط لكتابة هذه التدوينة .. لكن ولأنّ الكتابة رئة ثالثة، ولأنّ هذه المساحة لي .. ولأنّ البوح يتحول أحيانا إلى عبء على الآخرين، هنا تأتي الكتابة .. لتقول: دعني وما أريد قوله إن شئت قرأت وإن لم تشأ فما من باب موصد أمامك. المهم أن أتنفس .. وليذهب الآخرون إلى …… .

بداية عنيفة صحيحة؟ هكذا هو الفقد .. الموت حينما يسلب منك أحبابك، قاس ومفاجئ وفج .. يضعك أمام الواقع غير عابئ بك، هو هذا أمامك جثة هامدة، رحل ولا تملك شيئا لاسترجاعه، ابك اصرخ أنكر .. أنت عاجز أمام هذه الحقيقة أنت بشر وهذه هي سنة الحياة.

تغدو سنة الحياة كليشة، يربت بها عليك من يظن أنه يهون عليك، وآخر لا يعبأ بك يريد إنهاء الحديث، وثالث قد يكون أنت .. نعم أنت .. تربت على نفسك: سنة الحياة .. كلنا لها .. “كلنا رايحين”.

تظن حينها أنك تصالحت مع فكرة الموت، مع الفقد. لا .. لا يا عزيزي .. أمامك الكثير لتمر به، حتى تعصف بك ذات المشاعر الأولى، أورحلوا؟ هذه أماكنهم فأين همُ؟

يأتي رمضان ١٤٤١، ليعيد لي كلّ الألم، ليجعلني أعيد استيعاب الموت، نعم .. استيعابه. مضت ١١ شهرا وأنا ما زلت أحاول استيعاب رحيل أبي، أنه ليس هنا، لن يعود .. أنه اختفى من الزمان والمكان ..

هذا مكانك، كرسيك على سفرة الإفطار والعشاء، هذا مقعدك أمام شاشة التلفاز، هذا موعدك ذاهب لصلاة التراويح، هذه عودتك منها، هذه السلالم نازل إلى السحور، هذا الباب خارج لصلاة الفجر .. فأين أنت؟

يقولون بأنّ الرجل لا يشعر بالانكسار إلا حين يفقد أبيه، وهذا تمييز ضد النساء، نعم .. فحتى الابنة ينكسر ظهرها برحيل أبيها، سندها، لم ينكسر قلبي فقط .. انكسرت بداخلي أشياء كثيرة .. ربما لم أعيها حتى الآن ..

كتبت مرة عن الفقد، كنت أعني فقد الأحياء .. غيابهم والشوق لهم أو خروجهم من حياتنا. تأملت تغريداتي تلك وضحكت سخرية مني آنذاك. حينها كتبت أن الفقد يعلمك التقبل والتجاوز .. دعوني أقول لكم ما الذي علمني إياه الفقد الحقيقي:

  • علمني تفاهة التشبث بالأشخاص وسهولة تجاوزهم

علمني فضيلة المشاركة الوجدانية، أن تقول لمن يمر بحزنك: أنا أشعر بك وأعلم تماما ما تمر به

علمني أن اتصالح مع ما حباني الله به من نِعَم وأن أستشعر الزحام فيها ..

ودعوني أقول لكم ما الذي سلبه مني فقد أبي:

المتكا .. فقدت متكئي حين تتزاحم أمامي منغصات الحياة. كان أبي منبع الحكمة .. مهونا علي .. ناصحا لي .. مرشدا ونورا في طريقي، أحتاجه فلا أجد سوى وجهه وكلماته ترافقني كل يوم .. “ريحي بالك يا بنتي” .. “الدنيا ما تسوى يا بنتي والله ما تسوى” ..

 اللهم إن أبي كان يحب رمضان .. فاللهم اجعل رمضانه في جناتك جنات النعيم .. واجعله في راحة وسعة ونعيم مقيم لا يحول ولا يزول أبدا واجمعني به في الجنة حيث لا أذى ولا أذية.

١/رمضان/١٤٤١

٣:٤٦ صباحا

جدة

IMG_0719

رأي واحد حول “تدوينات رمضان (١):رمضان الأول دون أبي”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s